27 - 09 - 2024

مؤشرات| من سبت النور إلى شم النسيم.. أعياد مصرية

مؤشرات| من سبت النور إلى شم النسيم.. أعياد مصرية

في مثل هذه الأيام كانت الدنيا أعيادا مختلفة، تبدأ من عيد "الخوص" وحتى شم النسيم مرورا بسبت النور، وعيد القيامة، كل مصر تحتفل بهذه الأعياد، "الكل في واحد" لم يخطر في بال أحد أن يسأل هو أنت مسيحي واللا مسلم، أو "مسيحي أم مسلم" الكل في قلب واحد، وفي إحتفال واحد.

في "أحد الخوص" كان أشقاؤنا المسيحيين يبدأون احتفالاتهم قبل موسم الأعيام بأيام، يذهبون إلى شجرات النخيل في الأماكن العامة وفي المزروع على الشواطئ والأراضي المشاع، ليأخذوا منها الخوص الأصفر، وبشكل لا يضر بالنخيل، وإنتاجه، واستمراره للسنوات القادمة، وتبدأ رحلة غزل الخوص في أشكال جمالية، بعضها يعبر عن السمات والرموز المسيحية، والبعض الآخر عن رموز مصر والفراعنة، وكافة الأشكال المشتركة، وأمام الكنائس يصطف الجميع لتختار ما تشتريه، والبيع للجميع وليس للأقباط فقط.

ينتهي اليوم بفرحة غامرة، فأيام الصيام الكبير تكاد تنتهي، والدخول على عيد القيامة، مرورا بخميس العهد، وقبل يوم العيد، يأتي سبت النور، وهو يوم مميز الكل يعتبره يومه، وهناك من يقول أنه تقيلد فرعوني، وهناك من يحتفل به يوما من أيام احتفالات المسيحيين، ولكن المشترك أنه يوم مصري يحتفل به الجميع.

ونحن صغار نجتمع في مجموعات أمام منازلنا وفي المناطق المتسعة "الأجران" وتبدأ رحلة الإحتفال بسبت النور، قبل عيد القيامة بيوم، وقبل شم النسيم بيومين، ونجمع الأوراق، وقش الأرز، ونوقد النار فيها بعد صلاة العشاء لنحتفل بسبت النور، وكانت جدتي وأمي تحضنا على الإحتفال به.. لم نسأل أيامها أهو عيد للمسلمين أم للمسيحيين، ونظل حتى ساعات متأخرة في هذا الإحتفال، مسلمين ومسيحيين، ولدينا يقين أن هذا الطقس هو حق لنا جميعاً، فلم ينهرنا أحد عنه، ولم يقل لنا أحد أنه رجس من عمل الشيطان، أو ما شابه ذلك من أقول هذا الزمان.

وتستمر الاحتفالات بين أبناء الشعب، ففي الصباح الباكر ليوم الأحد ومع ساعات الفجر يذهب أشقاء الوطن من المسيحيين إلى الكنيسة، للإحتفاء بعيد القيامة، فالكنسية الأقرب كانت تبعد عدة كيلومترات، والإجازة حق لهم في هذا اليوم، لم تكن رسمية وقتها، ولكن مسموح لهم بذلك وفق اتفاق غير مكتوب، وحق مكتسب، ومع ساعات الصباح وأثناء الذهاب إلى المدارس، نلتقي بالعائدين من الكنائس نبارك لهم بالعيد، ونعدهم بالإحتفال في المساء، وفي صباح اليوم التالي.

تمر الساعات سريعاً ليأتي الصباح، وقبلها بساعات ومع آذان الفجر، تصحو الأمهات والجدات، توقدن الأفران، في بداية الإحتفال بيوم شم النسيم، وتعجنن وتخبزن الفطير، فهو أحد أهم سمات هذا اليوم، والذي يكون فيه الفيضان على أشده، والترع والقنوات عائمة من مياه النيل المتدفق من الجنوب، دون حواجز من "سد النهضة" أو غيره.

نلتهم لقيمات الفطير سريعا، فأمامنا يوم طويل من الإحتفالات، نأخذ معنا ما يكفينا من أكل لهذا اليوم، وتوصينا الأمهات والجدات بالدعاء لهن خلال الزيارة لأضرحة أولياء الله الصالحين، ونتجه صوب أماكن الإحتفال، وأقرب نقطة إلى مقام "الشيخ خطاب"، لا نعرف منه سوى الإسم، إنه أحد أولياء الله الصالحين، وضريحه وسط الحقول، وقبل الزيارة نقضي وقتا طويلا في عزبة "نوري باشا"، حيث الألعاب، والمراجيح، والأراجوز، و"صندوق الدنيا"، والعديد من الألعاب، ولا يخلو اليوم من اللهو، وطبعا، في الموالد ينشتر "اللصوص"، وكان الحذر منهم واجب، ويعرفهم أصحاب الألعاب، وإياك أن تقترب من ألعاب "الثلاث ورقات".

يظل يوم شمم النسيم عالما مفتوحا للجميع، نحتفي به جميعا، وهو اليوم المكمل لعيد القيامة، ومع اتساع الرزق، كان الذهاب إلى حديقة الحيوانات أحد الخيارات، والزيارات إلى الفيوم و"عين السلين" و"السواقي"، وبحيرة قارون، بخلاف رحلات النيل في كل مكان، أو الذهاب في رحلة تمتد إلى رأس البر أو بلطيم، أو جمصة، والبحر وما أدراك ما البحر، حيث يجمعنا اللقاء بين إبراهيم ومحمد وميخائيل، وعزيز، ولطفي ومادح وعبد العزيز، وحمدي،... وزينب وسلوى، وانجيل ودميانه.. الأسماء تتنوع، وتبقى الأعياد مشتركة.. ويبقى السؤال.. ماذا تبقى.. أتمنى أن تعود تلك الأيام.. التي ضاعت مع لغة التشدد والدخلاء على نهج مودتنا ومحبتنا.. 

كل سنة وأنتم في مودة ومحبة.
--------------------
بقلم: محمود الحضري

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | سياسات زراعية على حساب محاصيل تاريخية.. القصب مثالًا